الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتح حصون سيس. ولما ولي سيف الدين منكوتمر النيابة وكانت مختصا بالسطان استولى على الدولة وطلب من السلطان أن يعهد له بالملك فنكر ذلك الأمراء وثنوا عنه السلطان فتنكر لهم منكوتمر وأكثر السعاية فيهم حتى قبض على بعضهم وتفرق الآخرون في النواحي وبعث السلطان جماعة منهم سنة سبع وتسعين لغزو سيس وبلاد الأرمن كان منهم بكتاش أمير سلاح وقرا سنقر ويكتمر السلحدار وتدلار وتمراز ومعهم الالفي نائب صفد في العساكر ونائب طرابلس ونائب حماة ثم أردفهم بعلم الدين سنجر الدوادار وجاءت رسل صاحب سيس وأغاروا عليها ثلاثة أيام واكتسحوها ثم مروا ببغراس ثم بمرج انطاكية وأقاموا بها ثلاثا ومروا بجسر الحديد ببلاد الروم ثم قصدوا تل حمدون فوجدوها خاوية وقد انتقل الأرمن الذين بها إلى قلعة النجيمة وفتحوا قلعة مرعش وحاصروا قلعة النجيمة أربعين يوما افتتحوها صلحا وأخذوا أحد عشر حصنا منها المصيصة وحموم وغيرهما واضطرب أهلها من الخوف فأعطوا طاعتهم ورجع العساكر إلى حلب وبلغ السلطان لاشين أن التتر قاصدون الشام فجهز العساكر إلى دمشق مع جمال الدين أقوش الأفرم وأمره أن يخرج العساكر من دمشق إلى حلب مع قفجق النائب فسار إلى حمص وأقام بها ثم بلغهم الخبر برجوع التتر ووصل أمر السلطان إلى سيف الدين الطباخي نائب حلب بالقبض على بكتمر السلحدار والألفي نائب صفد وجماعة من الأمراء بحلب بسعاية بكتمر وحاول الطباخي ذلك فتعذر عليه وبرز تدلار إلى بسار فتوفي بها وأقام الآخرون وشعروا بذلك فلحقوا بقفجق النائب على حمص فأمنهم وكتب إلى السلطان يشفع فيهم فأبطأ جوابه وعزله سيف الدين كرجي وعلاء الدين إيدغري من إجارتهم فاستراب وولى السلطان مكانه على دمشق جاغان فكتب إلى قفجق بطلبهم فنفروا وافترق عسكره وعبره الفرات إلى العراق ومعه أصحابه بعد أن قبضوا على نائب حمص واحتملوه ولحقهم الخبر بقتل السلطان لاشين وقد تورطوا في بلاد العدو فلم يمكنهم الرجوع ووفدوا على غازان بنواحي واسط وكان قفجق من جند التتر وأبوه من جند غازان خصوصا ولما وقعت الفتنة بين لاشين وغازان وكان فيروز أتابك غازان مستوحشا من سلطانه فكاتب لاشين في اللحاق به واطلع سلطانه على كتبه فأرسل إلى قطلوشاه نائب حران فقبض على فيروز وقتله وقتل غازان أخويه في بغداد والله تعالى أعلم..مقتل لاشين وعود الناصر محمد بن قلاون إلى ملكه. كان السلطان لاشين قد فوض أمر دولته إلى مولاه منكوتمر فاستطال وطمع في الاستبداد ونكره الأمراء كما قدمناه فأغرى السلطان بهم وشردهم كل مشرد بالنكبة والبعاد وكان سيف الدين كرجي من الجاشنكير ومقدما عليهم كما كان قرا سنقر مع الأشرف وكان جماعة المماليك معصوصبين عليه وسعى منكوتمر في نيابته على القلاع التي افتتحت من الأرمن ببلاد سيس فاستعفى من ذلك وأسرها في نفسه وأخذ في السعاية على منكوتمر وظاهره على أمره قفجي من كبار الجاشنكيرية وكان لطقجي صهر من كبار الجاشنكيرية اسمه طنطاي أغلط له منكوتمر يوما في المخاطبة فامتعض وفزع إلى كرجي وطقجي فاتفقوا على اغتيال السلطان وقصدوه ليلا وهو يلعب بالشطرنج وعنده حسام الدين قاضي الحنفية فأخبره كرجي بغلق الأبواب على المماليك فنكره ولم يزل يتصرف أمامه حتى ستر سيفه بمنديل طرحه عليه فلما قام السلطان لصلاة العتمة نحاها عنه وعلاه بالسيف وافتقد السلطان سيفه فتعاوروه بسيوفهم حتى قتلوه وهموا بقتل القاضي ثم تركوه وخرج كرجي إلى طقجي بمكان انتظاره وقصدوا منكوتمر وهو بدار النيابة فاستجار بطقجي فأجاره وحبسه بالجب ثم راجعوا رأيهم واتفقوا على قتله فقتلوه وكان مقتل لاشين في ربيع سنة ثمان وتسعين وكان من موالي علي بن المعز ايبك فلما غرب للقسطنطينية تركه بالقاهرة واشتراه قلاون من القاضي بحكم البيع على الغائب بألف درهم وكان يعرف بلاشين الصغير لأنه كان هناك لاشين آخر أكبر منه وكان نائبا بحمص ولما قتل اجتمع الأمراء وفيهم ركن الدين بيبرس الجاشنكير وسيف الدين سلار أستاذ دار وحسام الدين لاشين الرومي وقد وصل على البريد من بلاد سيس جمال الدين أقوش الأفرم وقد عاد من دمشق بعد أن أخرج النائب والعساكر إلى حمص وعز الدين ايبك الخزندار وبدر الدين السلحدار فضبطوا القلعة وبعثوا إلى الناصر محمد بن قلاون بالكرك يستدعونه للملك فاعتزم طقجي على الجلوس على التخت واتفق وصول الأمراء الذين كانوا بحلب منصرفين من غزاة سيس وفيهم سيف الدين كرجي وشمس الدين سرقنشاه ومقدمهم بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح فأشار الأمراء على طقجي بالركوب للقائهم فأنف أولا ثم ركب ولقيهم وسألوه عن السلطان فقال قتل فقتلوه وكان كرجي عند القلعة فركب هاربا وأدرك عند القرافة وقتل ودخل بكتاش والأمراء للقلعة لحول من غزاة سيس ثم اجتمعوا بمصر وكان الأمر دائرا بين سلار وبيبرس وايبك الجامدار وأقوش الأفرم وبكتمر أمير جندار وكرت الحاجب وهم ينتظرون وصول الناصر من الكرك وكتبوا إلى الأمراء بدمشق بما فعلوه فوافقوا عليه ثم قبضوا على نائبها جاغان الحسامي وتولى ذلك بهاء الدين قرا أرسلان السيفي فاعتقل ومات لأيام قلائل فبعث الأمراء بمصر مكانه سيف الدين قطلو بك المنصوري ثم وصل الناصر محمد بن قلاون إلى مصر في جمادى سنة ثمان وتسعين فبايعوا له وولى سلار نائبا وبيبرس أستاذ دار وبكتمر الجوكندار أمير جندار وشمس الدين الأعسر وزيرا وعزل فخر الدين بن الخليلي بعد أن كان أقره وبعث على دمشق جمال الدين أقوش الأفرم عوضا عن سيف الدين قطلوبك واستدعاه إلى مصر فولاه حاجبا وبعث على طرابلس سيف الدين كرت وعلى الحصون سيف الدين كراي وأقر بليان الطباخي على حلب وأفرج عن قرا سنقر المنصوري وبعثه على الضبينة ثم نقله إلى حماة عندما وصله وفاة صاحبها المظفر آخر السنة وخلع على الأمراء وبث العطايا والأرزاق واستقر في ملكه وبيبرس وسلار مستوليان عليه والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده.
|